في الكويت أحياء عديدة أكبرها (حي القبلة) والشرق والمرقاب والوسط، ومن الأحياء الصغيرة (حي العوازم) والرشايدة والمطران وأحياء أخرى غيرها .
حي الوسط
هو مطابق لاسمه واقع وسط المدينة بين الشرق والقبلة فيه بيت الإمارة وقصور آل الصباح بأسرهم، ودائرة القمرق (الجمرك) ودائرة المراكب البخارية، وفيه السوق بأقسامه والصفاة ، والصفاة هي أرض واسعة اتخذت مناخاً للعربان الذين يفدون الى الكويت لعرض سلعهم وبضائعهم في سوقها من أبل وغنم وصوف ودهن وجنود ، وبيت الشيخ الفاضل يوسف ابن عيسى الجناعي واخوانه، وبيت آل عبد الرزاق وآل بودي، وهناك أيضاً بيت الفاضل ملا صالح رئيس الكتاب، وبيت الحاج جبر والحاج شاهين الغانم وهما من آل زايد، وبيت الشيخ أحمد الفارس و بيت العداسنة قضاة الكويت، والعالم التقي المرحوم الشيخ محمد الفارس، وبيت آل زين وآل عبد الجليل وآل معرفي وبيتهم من أكبر بيوتات الشيعة في الكويت، وفيه المدرسة المباركية والمكتبة الأهلية والنادي الأدبي.
حي القبلة
هو القسم الغربي من البلد وسمي (بحي القبلة) لأن قبلة الكويتيين غرباً وجل القاطنين فيه من الأسر التي هاجرت من نجد أو من البادية والكثير من أهل هذا الحي لهم أياد بيضاء على الحركة العلمية والأدبية في الكويت مثل آل خالد الكرام وآل النقيب الفخام وآل بدر النجباء، وأستاذنا الجليل الشيخ عبد الله الخلف، والمحسن الكريم محمد الثنيان وغيرهم من الأفراد والعائلات، وفي هذا الحي من البيوت المعروفة أيضاً بيت الحاج حمد الصقر الغانم وهو من أكبر المثريين، له تجارة واسعة في الهند واليمن والعراق. وبيت آل الحميضي وهم من المثريين أيضاً وقد اتخذهم آل الصباح أمناء لهم، وفيه المدرسة الأحمدية، وفي أقصاه المستشفى الأميركاني، وسنأتي بكلمة صالحة فيا بعد عمن له أثر من أهل هذا الحي في الحركة العلمية والأدبية في الكويت.
حي الشرق
هو القسم الشرقي في البلد يضم أخلاطاً من الفارسيين وبعض الأسر التي هاجرت مع آل الصباح مثل آل الرومي، وهناك أيضاً بيت آل نصف وهم من (الجلاهمة) وبيت صقر الغانم الذي سمل مبارك الصباح عينيه وهو من آل زايد. وفيه طائفة من الأعاجم السنيين والشيعيين وثلة من اليهود، وفيه قصر السيد هاشم النقيب، ودائرة معتمد الحكومة البريطانية، ومركز «التلغراف والبوسطة»، وفيه طبيب على نفقة الحكومة الانكليزية، وبيت هلال المطيري أكبر ثري في الكويت، وبيت شملان بن علي بن سيف وإبراهيم ابن مضف، وهؤلاء الثلاثة هم الذين هاجروا من الكويت أيام مبارك الصباح كما سيأتي في ترجمته، وهناك بيت شاعر الكويت وبيت الأديب الحر عيسي القطامي صاحب دليل المحتار في علم البحار، وأكثر اشتغال أهل هذا الحي باللؤلؤ صيداً وتجارة بل جل تجار اللؤلؤ منهم، والقليل منهم يتعاطون الاتجار بغيره.
الكويت واقعة على (جون) من الخليج (العربي) تمتد على ساحله شرقاً وغرباً وهي قائمة على آكام قليلة الارتفاع وفي بطون أودية لها منظر بديع لا سيما من جهة البحر، طيبة التربة عذبة المناخ هواؤها صحي لطيف وجوها معتدل صيفاً وشتاء، وقلما تخلو ليالي صيفها من نسيم عليل يكسب الجسم نشاطاً والقلب سروراً ويسمى (الغربي) وفي الشمال الغربي منها جبل يسمى (أغضى) ممتد شرقاً وغرباً على الساحل الشمالي للجون تبلغ مسافته من الصبية إلى الجهراء نحو ثمانية وعشرين ميلاً ويسمى سفحه مما يلي البحر (البطانة) وفي رأسه الغربي و سفحه الجنوبي على ساحل البحر توجد (كاظمة) المشهورة ، ويبلغ طول نفس المدينة من رأس السورين نحو ثلاثة أميال ونصف وأما عرضها فيبلغ في بعض الجهات نحو ميلين.
حدود الكويت
يحدها غرباً ملتقى وادي العوجا بالباطن الممتد على خط مستقيم إلى حيث يلتقي عرضاً بالخط التاسع والعشرين وجنوباً القليعة وشرقاً (الخليج العربي).
الكويت واقعة على (جون) من الخليج (العربي) تمتد على ساحله شرقاً وغرباً وهي قائمة على آكام قليلة الارتفاع وفي بطون أودية لها منظر بديع لا سيما من جهة البحر، طيبة التربة عذبة المناخ هواؤها صحي لطيف وجوها معتدل صيفاً وشتاء، وقما تخلو ليالي صيفها من نسيم عليل يكسب الجسم نشاطاً والقلب سروراً ويسمى (الغربي) وفي الشمال الغربي منها جبل يسمى (أغضى) ممتد شرقاً وغرباً على الساحل الشمالي للجون تبلغ مسافته من الصبية إلى الجهراء نحو ثمانية وعشرين ميلاً ويسمى سفحه مما يلي البحر (البطانة) وفي رأسه الغربي و سفحه الجنوبي على ساحل البحر توجد (كاظمة) المشهورة.
ويبلغ طول نفس المدينة من رأس السورين نحو ثلاثة أميال ونصف وأما عرضها فيبلغ في بعض الجهات نحو ميلين.
حدود الكويت
يحدها غرباً ملتقى وادي العوجا بالباطن الممتد على خط مستقيم إلى حيث يلتقي عرضاً بالخط التاسع والعشرين وجنوباً القليعة وشرقاً (الخليج العربي).
ينتمي آل الصباح إلى قبيلة عنزة المعروفة وهي من أكبر قبائل العرب وأشهرها إلى يومنا هذا، وتنقسم كغيرها إلى أفخاذ عديدة، ومن تلك الأفخاذ (جُمَيلة) بالتصغير، وتتقسم جميلة إلى عدة فروع منها الشملان، وتنقسم الشملان إلى عشائر منها آل الصباح.
هناك إختلاف في تحديد وطن آل الصباح الأصلي الذي كانوا فيه زمن صباح الأول جدهم الأكبر فقيل كانوا في نجران، وقيل بل تحدروا من خيبر، والصحيح أنهم كانوا في الهدار من مقاطعة الأفلاج في نجد. أما سبب هجرتهم منها فهو غير معروف ولكن من المحتمل أن يكونوا تركوها قسرا بسبب أ\ى حصل لهم من بعض قبائل المنطقة وإحتمال أن يكون السبب طموحهم إلى الاستقلال بالحكم .
البلاد التي مر عليها آل الصباح قبل الكويت
مروا بقطر واستوطنوها تحت ظل حكامها إذ ذاك آل مسلم ولكن أحدهم قتل رجلاً من أهلها سمع منه سخرية به واستهزاء فحل عليهم غضب حكامها الذين أوجسوا منهم خيفة وخشوا استفحال أمرهم فأمروهم بمغادرة البلاد والنزوح عنها. وقد لبى آل الصباح وإخوانهم الطلب وأودعوا أموالهم والعزيز لديهم سفناً شراعية ثم ساروا بها ضاربين عرض البحر وطوله.
أما آل مسلم فجهزوا بعد ذلك خلفهم سفناً أخرى وساروا يقتفون أثرهم، ولا نعلم ما الذي دفعهم إلى إفلاتهم أولاً ومطاردتهم أخيراً، ومهما يكن فإنهم أدركوهم في رأس تنورة وعندما أبصرهم آل الصباح مقبلين وعلموا بما يريدون نزلوا إلى البر واستعدوا للقتال وجرى بين الفريقين قتال شديد كان النصر فيه حليف آل الصباح ولم يؤثر هذا النصر في عزمهم وزهدهم في سكن قطر، فساروا، قيل ميممين (قيساً) من بلاد فارس، وقيل ذهبوا الى المخراق ولكن لم يطب لهم المقام فتحولوا الى الصبية وهي أرض واقعة شمال الكويت الشرقي وتبعد عنها نحو ستة عشر ميلاً وكان حظهم فيها حظهم في سواها فهجروها ونزلوا الكويت كما تقدم.
ويقال في سبب تحولهم عن المخراق أن الحكومة العثمانية طردتهم منه لما كانوا يقومون به من السلب والنهب وقطع الطريق في هاتيك الجهات. ، أما تركهم الصبية فيقال هو من الحكومة العثمانية أيضا فتركوا أرض الصبية وإستقروا في أرض الكويت التي هي في حماية ابن عريعر إذ ذاك.
هناك أقوال متضاربة في السنة التي أسست فيها الكويت فمدحت باشا يقول: ونسل هؤلاء العرب (أي الصباح) من الحجاز وكانوا قبل خمسمائة سنة قد حضروا إلى هذه البقعة هم وجماعة من مطير، قال هذا في أيام (عبد الله الصباح الثاني) سنة 1287 ويصرح الشيخ مبارك في احدى رسائله لبعض ولاة البصرة أنها تأسست سنة 1022 ويقول البعض بل كلمة «طغى الماء» هو تاريخها، أي سنة 1083 وآخرون يقولون تأسست سنة 1100.
أما العلامة المحقق الشيخ ابراهيم بن شيخ محمد الخليفة شيخ الأدباء في البحرين فيرى أن تأسيسها سنة 1125 وكل هذه الاقوال حدس وتخمين وأقربها إلى الصواب وأولاها بالترجيح القولان الأخيران، وبمعرفتنا عدد الحكام الذين تولوا عليها من آل الصباح يزول عنا كثير من الغموض وتكون بيدنا حجة قوية في رفض بقية الأقوال لا سيما إذا علمنا أن صباحاً الأول هو أولهم وأنه توفي حوالي سنة 19٠ ولكننا مع هذا لا نجزم بأن ما رجحناه قضية لا تحتمل المناقشة ولا النقض، نعم الذي يصح لنا الجزم به أنها كانت موجودة قبل سنة 1135 – اعتماداً على ما قاله الشيخ ابراهم بن عيسى النجدي في إجازته لأستاذنا الجليل الشيخ عبدالله الخلف الدحيان فقد ذكر في سلسلة مشائخه الشيخ محمد بن فيروز جد ابن فيروز المشهور وقال أنه توفي في الكويت سنة 1135.
هناك حاجة دائمة لمعرفة التاريخ. فعلى كل أمة أن تعرف تاريخها مهما كان قريب الزمن أو بعيده. وبهذه المعرفة تجعل الأمة من ماضيها واعظاً يجنبها الزلل، وحافزاً يدفعها الى المضي في الطريق الذي بدأته لتبلغ الغاية التي تشدها إليها. وربما كانت الحاجة أمس إلى معرفة التاريخ عندما يشعر الشعب بشيء من الوعي يدفعه الى تنمية حضارته على أساس من تقاليده وتراثه وهذا ما حملني على إعادة طبع هذا الكتاب لمؤلفه المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد الذي هو والدي، بل لعل هذا السر الذي دعا بعض المواطنين أن يشيروا عليّ ملحين بإعادة الطبع بعد أن نفدت الطبعة الأولى.
وبما لا شك فيه أن كتب التاريخ الني تعنى بسرد الأحداث وتاريخ المجتمعات إنما تحقق الغاية فيها إذا توخى كاتبها فيما يتوخى الشمول، والدقة، والصراحة، وأنا أعتقد أن هذا الكتاب قد أوفى على الغاية في النواحي الثلاث، وحقق للقارئ ما يريد منها جميعاً: أما الشول ففي التفصيل الذي امتاز به الكتاب حيث تناول تاريخ الكويت من لدن نشأتها حت الفترة الأولى من تاريخ سمو الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح.
وأما الدقة فتظهر بوضوح في تصوير الحياة الماضية تصويراً جعلنا نحسها ونعيش في جوها، ونلتقي برجالها وعم يكافحون في مضمار الحياة باذلين ما يستطيعون من جهد ليتغلبوا على طبيعة الكويت الشاقة، وليلونوا ظروفها من حولهم تلويناً يسبغ عليها المتعة والجمال. فرأيناهم من أجل هذا كله أهل طموح يركبون البحر بأسطولهم الضخم حاملين التجارة في الخليج العربي والمحيط الهندي وغيرهما، حتى بلغ بعض تجارها فرنسا في ذلك العصر، ورأيناهم أهل جلد وصبر يغوصون في أعماق البحار بحثاً عن نفائسها مستهينين بما يلاقون من صعاب ومشقات حتى إذا ما تهيأت لهم الفرصة للدفاع عن وطنهم تجلى صبرهم وجلدهم ومخاطرتهم في اللقاء العارم والكفاح المرير.
وأما الصراحة فقد كانت منهاجه في كل ما يكتب، وهي صراحة تطالع القارئ في كل صفحة من صفحات الكتاب، فتوقفه على الغرض الذي استهدفه المؤلف، إنه الحرص على تصوير الواقع والأمانة العلمية في تسجيل الأحداث، وربما دعته هذه الأمانة الى الإلمام بالجزئيات أو الاستطراد في ذكر الحوادث ليُلقي بهذا كله ضوءاً على ما يريد بيانه وإيضاحه.
على أن الكتاب لم يقف في فصوله عند حد الأحداث وتاريخ الحكام وإنما تجاوزهما الى النهضتين العلمية والأدبية فسجل لرجالهما ما بلغوه من فضل، وما قاموا به من جهود في سبيل بلادهم، فجاء الكتاب بسبب هذه الإحاطة وافياً، يجد فيه القارئ ما يريد من امتاع العقل والحس والعاطفة في وقت معاً، وأنا حين أقدم هذا الكتاب الى القراء في طبعته الثانية آمل أن يلقى منهم قبولاً وأن يحقق في ثوبه الجديد ما يبتغون على أنني حرصت أشد الحرص على بقائه في صورته التي أُلف عليها حتى لا يذهب التغيير بقيمته التاريخية، وقنعت من تحسينه وتهذيبه بتبويبه وإخراج الجزئين في جزء واحد، وبتجويد الطبع، وبالإشارة العابرة في الهامش إلى بعض الحقائق أو التعليقات التي لا بد منها للمقارنة.
وأنا أرجو بعد هذا أن تتحقق به الفائدة والله الموفق.
وضع الكاتب عبد الرزاق البصير في كتاب تاريخ الكويت مقدمة يترحم ويثني على المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد وقد أتى نصها كالتالي :
رحم الله مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبد العزيز الرشيد، فقد كان متفوقاً من المتفوقين، يتحلى بصفات حميدة أهمها أنه ذو همة بعيدة، وطموح كبير، يدلك على ذلك كثرة أسفاره إلى كثير من البلاد النائية في زمن كانت فيه وسائل النقل بطيئة أشد البطء بالنسبة إلى ما وصلنا إليه في وقتنا الحاضر بوسائل نقلنا من سرعة وراحة تكاد لا تكلف المسافر إلا قليلاً من العناء، فقد سافر المرحوم الى العراق ومصر والحجاز والبحرين وجاوة ولم يكن قصده من وراء أسفاره طلباً للتجارة أو أي كسب مادي آخر، وإنما كان همه الوحيد اكتساب العلم والثقافة والجهاد في سبيل نشرها بين الناس. ومن صفاته رحمه الله أنه كان قوي الشخصية حلو المعاشرة، يدلنا على ذلك أنه نال كثيراً من المناصب في كثير من البلاد التي سافر إليها ومكث فيها بعض الوقت ولكنه كان مغرماً بالتنقل من بلد إلى بلد لأنه كان من الذين يرون في اكتساب الثقافة والعلم متعة لا تعادلها متعة، لقد رغب أهل المدينة المنورة في أن يجعلوه قاضياً عندهم ولكن وجود منافس من أهل المدينة حال بينهم وبين ما كانوا يشتهون، غير أنهم استطاعوا أن يجعلوه مدرساً في الحرم النبوي الشريف ولكنه لم يمكث في المدينة إلا عاماً أو بعض عام.
كان رحمه الله صادق اللهجة صريحاً في آرائه التي يعتنقها، لا يستطيع أن يسكت على الذين يخالفونه في آرائه، وقد لقي بطبيعة الحال إنكار كثير من الناس وتعنتهم ضده وتشهيرهم عليه، كان يرى حرمة مطالعة الكتب العصرية وقراءة الصحف والمجلات فأعلن هذه الآراء ودعا الناس إلى اعتناقها كما دعاهم إلى الابتعاد عن تعلم اللغات الأجنبية، فلما اتسع أفق تفكيره تبين له أنه كان غير مصيب فيما دعا إليه وإذا به يعلن ذلك للناس ويدعوهم إلى متابعة الحركة الفكرية وتعلم اللغات بل لم يكتف بذلك وإنما اصطنع هذه الوسيلة فأنشأ مجلة الكويت المعروفة، ولقد استطاع أن يجتذب إليها كبار الكتاب في ذلك الحين، كان قوي الجنان لا يهمه ما يقف في طريقه من عقبات. فإن إنشاء الصحف في ذلك الحين من أشق الأمور ولا سيما لمثل عبد العزيز الرشيد الذي لا يملك أي ثروة مادية. غير أن حرصه وولعه في خدمة العلم والأدب كانا يدفعانه إلى تذليل كل عقبة تقف أمامه، ويبدو لي أنه كان ذا شخصية جذابة تستطيع أن تكتسب احترام كل من يصل إليه، بدليل ما نراه من تقدير مواطنيه وغير مواطنيه بالرغم من مخالفته آرائهم وإعلانه عن هذا الخلاف، فقد عُين مديراً لمدرسة المباركية سنة 1336هـ، 1917م. وزاول التعلم فيها زهاء سنتين، وبعد أن ترك العمل في هذه المدرسة أنشأ بعض المعلمين مدرسة جديدة عرفت باسم (المدرسة العامرية) ولكنه لم يعلم فيها لأنه أنصرف إلى التجارة حتى رأى المرحوم الشيخ أحمد الجابر، ولي عهد الامارة إذ ذاك أن يتخذ له واعظاً في مجلسه العام فأسند الوظيفة له.
ولقد طُلب للذهاب للتدريس في البحرين، إلا أن سمو الأمير وبعض وجوه البلد لم يدعوه يذهب حرصاً على وعظه وإرشاده، وحينما تولى المرحوم سمو الشيع أحمد الجابر الإمارة وألف المجلس الإداري ليكون عوناً للأمير في إدارة شؤون البلاد كان المرحوم عبد العزيز الرشيد أحد أعضائه، وسعى سنة 1340هـ (1921) في تأسيس النادي الأدبي سنة 1342هـ (1923م) وألقى فيه أول محاضرة وكان موضوعها (الخطابة) وخلاصة القول أنه كان حريصاً أشد الحرص على نشر الثقافة والعلم مهما كلفه ذلك من جهد وعناء وكان يرى أن على العالم أن يشترك مع سائر المواطنين في الدفاع عن الوطن، فقد مضى إلى الجهراء سنة 1339هـ (1920م) واشترك مع المحاربين المدافعين عن الكويت اشتراكاً فعلياً ولقد عاد الى الكويت وهو جريح. من هذا يتضح لك أن أستاذنا الشيخ لم يحصر جهاده في القول وإنما كان يجاهد حيثما وجد الجهاد، وفي اعتقادي أن كثيراً من آثاره قد ضاعت كما ضاع كثير من معالم سيرته لأنه أنفق الشطر الأخير من عمره في إندونيسيا فنحن لا نعرف من آثاره إلا: (تحذير المسلمين) و(محاولات إصلاحية) و (الدلائل البينات في حكم تعليم اللغات) وله مؤلفات مخطوطة وهي:
«تحقيق الطلب في رد تحفة العرب» و«النصائح الكافية فيمن يتولى معاوية» رداً على كتاب ابن عقيل الحضرمي. و«الهيئة والاسلام» وقد نشر بضع مقالات في جرائد بغداد ومجلاتها، ومجلة الهلال، وجريدة الشورى المصرية ولم يبق لنا من هذه الآثار إلا أسماؤها، أما الذي بقي بين أيدينا فهو كتاب «تاريخ الكويت» الذي نريد أن نقدمه للقراء في هذه الطبعة الجديدة، راجين أن تكون طبعته طبعة لائقة بهذا الكتاب.
ولقد أفضتُ في ترجمة المؤلف إفاضة متعمدة وأنا أقصد من ذلك أن أصور المستوى الفكري والثقافي الذي كانت عليه بيئتنا في ذلك الحين، فيتصور القارئ أن الناس كانوا يتساءلون فيما بينهم عن جواز تعلم اللغات الأجنبية ومطالعة الصحف والمجلات، ويبدو لي أن هذا التساؤل كان قوياً بشكل حاد حتى أن المؤلف شغل ذهنه هذا الموضوع فألف رسالة يوضح فيها أن مطالعة الصحف والمجلات وتعلم اللغات الأجنبية من الأمور التي لا تخالف الدين، من هذا ينضح أن مقاييسنا وموازيننا لفهم التاريخ لم تكن ذاتها في ذلك الوقت، فنحن نفهم من التاريخ أو نريد من المؤرخ على الأصح أن لا يكتفي بسرد الحوادث والوقائع وإنما نريد منه أن يصور لنا الحالة الاجتماعية والاقتصادية كما نريد منه أن يبين لنا الحالة السياسية والثقافية، أما بيئتنا فإنها كانت تكتفي من المؤرخ بسرد الوقائع والحوادث، وربما لا تهتم بذكر تواريخها، اللهم إلا الحوادث المهمة، فالذين يأخذون على المؤلف إغفاله تواريخ بعض الحوادث واطالته فيما يجب أن يختصر فيه واختصاره فيما يجب أن يطيل فيه، هؤلاء الناس عليهم أن يتصوروا ما لقيه المؤلف من مصاعب وعقبات عندما أراد أن يؤلف كتاب تاريخ الكويت. فنحن نعلم أن هذا الكتاب الذي يأخذ النقاد عليه بعض المآخذ قد احتُجز مدة طويلة لأن بعض ما فيه لم يُرض بعض الناس. ومهما يكن من أمر فإن هذا المؤلف كان ولا يزال مرجعاً مهماً لا يستطيع أي مؤلف لتاريخ الكويت إلا أن يرجع إليه فإذا ما وضح ذلك عرفنا أي خدمة جليلة قدمها المؤلف للكويت بصورة خاصة وللوطن العربي بصورة عامة، ولقد ابتهج الأدباء لدى ظهور الكتاب، فكتبوا المقالات الطوال في مدحه والثناء عليه، وليس من شك أن هذا يدل على أن الكتاب قيمة علمية جليلة.
كلمة الكويت هي تصغير لكلمة “كوت” وهو مصطلح متداول في نجد والعراق وماجاورهما من بلاد ، كما يستخدم هذا المصطلح في بلاد العجم ، والكوت تعني البيت المربع الحصين الذي يقع حول مسطّح مائي أن كان نهرا أو بحرا أو بحيرة أو غير ذلك ، وعادة ما يجاوره بيوت أصغر وأقل شئأنا منه ،ويكون الكوت في الغالب سوقا للسفن المارّة للتزود منه بما يلزمها من الماء والزاد والوقود وغيرها من إحتياجات السفن .
لم سميّت بالكويت؟
وسبب تسمية الكويت بهذا الأسم هو الكوت الذي وجد فيها ويقال أن من بناه هو “محمد لصكة بن عريعر” شيخ قبيلة بني خالد ، وقد أقام فيه أحد عبيده وجعل منه الشيخ مقراً ومستودعا لجيشه ووفّر فيه المؤن والعتاد والذخيرة في حال أراد أن يتجه غازياً إلى الشمال أو في حال أحتاج المرعى بالقرب منه ، ويقال أن الشيخ إبن عريعر وهب هذا الكوت لآل صباح عند نزولهم أرض الكويت ، وهناك قول آخر بأن آل الصباح ومن معهم هم من بنوا هذا الكوت بعد أن وهبهم إبن عريعر تلك الأرض ، وكان موقعها في أعلى نفود صغير في منطقة شرق بالكويت ، وقد بني في مكانه المستشفى الأمريكاني لاحقا والذي يقع مكانه المستشفى الأميري حاليا .
وكانت الكويت قبل نزول آل الصباح أرضا فقيرة قفراء تقطنها بعض عشائر إبن عريعر ، وكانوا هم أول من بنى فيها البيوت الحجرية التّي أصبحت مقرا ومسكنا لآل الصباح ومن معهم .
لا يوجد تاريخ واضح ومؤكد حول العام الذي تأسست فيه الكويت ، ولكن هناك أقاويل متعددة من المؤرخين عن الزمن التقريبي لبداية التأسيس والذي حدّد بنزول آل الصباح ومن كان معهم للأرض التي قامت عليها دولة الكويت لاحقا، وأن كانت الإجتهادات ليست دقيقة ولا يوجد فيها ما يدفع للجزم بتاريخ محدد لتأسيس الكويت .
أحدى هذة الإجتهادات بني على رسالة خاصة للشيخ مبارك الصباح أرسلها إلى ولاة البصرة ذكر فيها أن الكويت تأسست عام 1022 هجري (1613ميلادي) ، وهناك رأي آخر يرجح تأسس الدولة أيام ما أطلق عليه حينها ب “طغي الماء” وذلك في عام 1083هجري (1672ميلادي)، في حين رأي مختلف يقول بأن تأسس الدولة كان في عام 1100 هجري ( 1689ميلادي) .
ويرى البعض أن الرأي الأرجح هو لكاتبه العلامة وشيخ أدباء البحرين “الشيخ إبراهيم بن شيخ محمد الخليفة” والقائل بأن الكويت تأسست عام 1125 هجري (1713ميلادي) ، وهو الرأي الأكثر مصداقية للثقة الكبيرة في صاحب الرأي.
وفي طريقة أخرى لتحديد تاريخ تأسيس الكويت أتبع بعض المؤرخين طريقة جديدة لتحديد الفترة التقريبية للتأسيس وذلك بحساب عدد حكام آل الصباح الذين تولوا الحكم في الكويت منذ نشأتها ليكون الحساب بصورة أدق، وما نتج عنها رأي خالف كل الآراء السابقة حيث أن الشيخ “صباح الأول” توفى عام 1190هجري (1776ميلادي)، مما يدلّل على أن الكويت قد تكون وجدت في حدود العام 1135 هجري (1722ميلادي) ، أو في تاريخ قد يقاربه في النصف الأول من ذلك القرن .