مقدمة كتاب تاريخ الكويت للكاتب عبد الرزاق البصير

الأديب الكويتي عبد الرزاق البصير
الأديب الكويتي عبد الرزاق البصير

 

وضع الكاتب عبد الرزاق البصير في كتاب تاريخ الكويت مقدمة يترحم ويثني على المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد وقد أتى نصها كالتالي :

 

رحم الله مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبد العزيز الرشيد، فقد كان متفوقاً من المتفوقين، يتحلى بصفات حميدة أهمها أنه ذو همة بعيدة، وطموح كبير، يدلك على ذلك كثرة أسفاره إلى كثير من البلاد النائية في زمن كانت فيه وسائل النقل بطيئة أشد البطء بالنسبة إلى ما وصلنا إليه في وقتنا الحاضر بوسائل نقلنا من سرعة وراحة تكاد لا تكلف المسافر إلا قليلاً من العناء، فقد سافر المرحوم الى العراق ومصر والحجاز والبحرين وجاوة ولم يكن قصده من وراء أسفاره طلباً للتجارة أو أي كسب مادي آخر، وإنما كان همه الوحيد اكتساب العلم والثقافة والجهاد في سبيل نشرها بين الناس. ومن صفاته رحمه الله أنه كان قوي الشخصية حلو المعاشرة، يدلنا على ذلك أنه نال كثيراً من المناصب في كثير من البلاد التي سافر إليها ومكث فيها بعض الوقت ولكنه كان مغرماً بالتنقل من بلد إلى بلد لأنه كان من الذين يرون في اكتساب الثقافة والعلم متعة لا تعادلها متعة، لقد رغب أهل المدينة المنورة في أن يجعلوه قاضياً عندهم ولكن وجود منافس من أهل المدينة حال بينهم وبين ما كانوا يشتهون، غير أنهم استطاعوا أن يجعلوه مدرساً في الحرم النبوي الشريف ولكنه لم يمكث في المدينة إلا عاماً أو بعض عام.

 

 المؤرخ الكويتي عبد العزيز الرشيد
المؤرخ الكويتي عبد العزيز الرشيد

     كان رحمه الله صادق اللهجة صريحاً في آرائه التي يعتنقها، لا يستطيع أن يسكت على الذين يخالفونه في آرائه، وقد لقي بطبيعة الحال إنكار كثير من الناس وتعنتهم ضده وتشهيرهم عليه، كان يرى حرمة مطالعة الكتب العصرية وقراءة الصحف والمجلات فأعلن هذه الآراء ودعا الناس إلى اعتناقها كما دعاهم إلى الابتعاد عن تعلم اللغات الأجنبية، فلما اتسع أفق تفكيره تبين له أنه كان غير مصيب فيما دعا إليه وإذا به يعلن ذلك للناس ويدعوهم إلى متابعة الحركة الفكرية وتعلم اللغات بل لم يكتف بذلك وإنما اصطنع هذه الوسيلة فأنشأ مجلة الكويت المعروفة، ولقد استطاع أن يجتذب إليها كبار الكتاب في ذلك الحين، كان قوي الجنان لا يهمه ما يقف في طريقه من عقبات. فإن إنشاء الصحف في ذلك الحين من أشق الأمور ولا سيما لمثل عبد العزيز الرشيد الذي لا يملك أي ثروة مادية. غير أن حرصه وولعه في خدمة العلم والأدب كانا يدفعانه إلى تذليل كل عقبة تقف أمامه، ويبدو لي أنه كان ذا شخصية جذابة تستطيع أن تكتسب احترام كل من يصل إليه، بدليل ما نراه من تقدير مواطنيه وغير مواطنيه بالرغم من مخالفته آرائهم وإعلانه عن هذا الخلاف، فقد عُين مديراً لمدرسة المباركية سنة 1336هـ، 1917م. وزاول التعلم فيها زهاء سنتين، وبعد أن ترك العمل في هذه المدرسة أنشأ بعض المعلمين مدرسة جديدة عرفت باسم (المدرسة العامرية) ولكنه لم يعلم فيها لأنه أنصرف إلى التجارة حتى رأى المرحوم الشيخ أحمد الجابر، ولي عهد الامارة إذ ذاك أن يتخذ له واعظاً في مجلسه العام فأسند الوظيفة له.

     ولقد طُلب للذهاب للتدريس في البحرين، إلا أن سمو الأمير وبعض وجوه البلد لم يدعوه يذهب حرصاً على وعظه وإرشاده، وحينما تولى المرحوم سمو الشيع أحمد الجابر الإمارة وألف المجلس الإداري ليكون عوناً للأمير في إدارة شؤون البلاد كان المرحوم عبد العزيز الرشيد أحد أعضائه، وسعى سنة 1340هـ (1921) في تأسيس النادي الأدبي سنة 1342هـ (1923م) وألقى فيه أول محاضرة وكان موضوعها (الخطابة) وخلاصة القول أنه كان حريصاً أشد الحرص على نشر الثقافة والعلم مهما كلفه ذلك من جهد وعناء وكان يرى أن على العالم أن يشترك مع سائر المواطنين في الدفاع عن الوطن، فقد مضى إلى الجهراء سنة 1339هـ (1920م) واشترك مع المحاربين المدافعين عن الكويت اشتراكاً فعلياً ولقد عاد الى الكويت وهو جريح. من هذا يتضح لك أن أستاذنا الشيخ لم يحصر جهاده في القول وإنما كان يجاهد حيثما وجد الجهاد، وفي اعتقادي أن كثيراً من آثاره قد ضاعت كما ضاع كثير من معالم سيرته لأنه أنفق الشطر الأخير من عمره في إندونيسيا فنحن لا نعرف من آثاره إلا: (تحذير المسلمين) و(محاولات إصلاحية) و (الدلائل البينات في حكم تعليم اللغات) وله مؤلفات مخطوطة وهي:

«تحقيق الطلب في رد تحفة العرب» و«النصائح الكافية فيمن يتولى معاوية» رداً على كتاب ابن عقيل الحضرمي. و«الهيئة والاسلام» وقد نشر بضع مقالات في جرائد بغداد ومجلاتها، ومجلة الهلال، وجريدة الشورى المصرية ولم يبق لنا من هذه الآثار إلا أسماؤها، أما الذي بقي بين أيدينا فهو كتاب «تاريخ الكويت» الذي نريد أن نقدمه للقراء في هذه الطبعة الجديدة، راجين أن تكون طبعته طبعة لائقة بهذا الكتاب.

     ولقد أفضتُ في ترجمة المؤلف إفاضة متعمدة وأنا أقصد من ذلك أن أصور المستوى الفكري والثقافي الذي كانت عليه بيئتنا في ذلك الحين، فيتصور القارئ أن الناس كانوا يتساءلون فيما بينهم عن جواز تعلم اللغات الأجنبية ومطالعة الصحف والمجلات، ويبدو لي أن هذا التساؤل كان قوياً بشكل حاد حتى أن المؤلف شغل ذهنه هذا الموضوع فألف رسالة يوضح فيها أن مطالعة الصحف والمجلات وتعلم اللغات الأجنبية من الأمور التي لا تخالف الدين، من هذا ينضح أن مقاييسنا وموازيننا لفهم التاريخ لم تكن ذاتها في ذلك الوقت، فنحن نفهم من التاريخ أو نريد من المؤرخ على الأصح أن لا يكتفي بسرد الحوادث والوقائع وإنما نريد منه أن يصور لنا الحالة الاجتماعية والاقتصادية كما نريد منه أن يبين لنا الحالة السياسية والثقافية، أما بيئتنا فإنها كانت تكتفي من المؤرخ بسرد الوقائع والحوادث، وربما لا تهتم بذكر تواريخها، اللهم إلا الحوادث المهمة، فالذين يأخذون على المؤلف إغفاله تواريخ بعض الحوادث واطالته فيما يجب أن يختصر فيه واختصاره فيما يجب أن يطيل فيه، هؤلاء الناس عليهم أن يتصوروا ما لقيه المؤلف من مصاعب وعقبات عندما أراد أن يؤلف كتاب تاريخ الكويت. فنحن نعلم أن هذا الكتاب الذي يأخذ النقاد عليه بعض المآخذ قد احتُجز مدة طويلة لأن بعض ما فيه لم يُرض بعض الناس. ومهما يكن من أمر فإن هذا المؤلف كان ولا يزال مرجعاً مهماً لا يستطيع أي مؤلف لتاريخ الكويت إلا أن يرجع إليه فإذا ما وضح ذلك عرفنا أي خدمة جليلة قدمها المؤلف للكويت بصورة خاصة وللوطن العربي بصورة عامة، ولقد ابتهج الأدباء لدى ظهور الكتاب، فكتبوا المقالات الطوال في مدحه والثناء عليه، وليس من شك أن هذا يدل على أن الكتاب قيمة علمية جليلة.

 

عبد الرزاق البصير

 


 

المصدر :

كتاب تاريخ الكويت للكاتب المؤرخ عبد العزيز الرشيد

 

أضف تعليق