الكاتب عبد الأمير التركي مؤسس المسرح السياسي الكويتي

 

يعتبر الكاتب الراحل “عبد الأمير التركي ” أبو المسرح السياسي في دولة الكويت بلا منازع إذ اتخذ من مسرحياته مرآة لهموم المجتمع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية

 

ملونةً بالغضبِ، مشحونةً بالاحتجاجِ، قادرةً على كسرِ جدران المسكوت عنه ،معبرةً عن مكنونات الصدورِ وما تجيشَ به القلوبُ ولكن تخشى أن تبديه ، هكذا جاءت كتابات الكاتب الكويتيّ الراحل “عبد الأمير التركي” لتخلق واقعاً جديداً في الحياة الفنية على الساحة الخليجية .

صوتٌ متميزٌ و حسٌ سياسيٌّ راقٍ تعامل مع مشكلات المجتمع الكويتي بعين الأكاديمي و قلم المبدع الفنان ،لتصبح أعماله مرآة لعصره ،شاهدة على حسن إستبصاره وقوة إدراكه ، لم يمنعه مقص الرقيب من أن يقدم المسرحية تلو الأخرى ،و العمل عقب العمل صادماً الجميع بجرأة ظنها البعض نزقاً أو بحثاً عن الشهرة فحاربه بعضهم جهلاً وحاربه البعض الآخر حسداً و عجزاً عن مجاراته ،إلا أنه كان ماضياً في طريقه يستعمل مبضع الجراح ليحدد الداء ويقوم بالبتر غير عابئ بما يثار حوله من أقاويل ومكائد .

الكاتب المسرحي الكويتي عبدالأمير التركي
الكاتب المسرحي الكويتي عبدالأمير التركي

عبد الأمير التركي في بيت العلم و الأدب

ولد الكاتب والفنان  “عبد الأمير التركي” في أول شهر يناير من عام 1945م في بيت علم وأدب فوالده المربي  الأستاذ عبدالصمد تركي حسن تركي الطرّاح (1920-1993م) والذي عمل بعد تخرجه مدرساً في عدة مدارس منها: الصباح، والمثنى، والنجاح، والصدّيق، واستمر في مجال التدريس حتى أواخر عام 1965 م وتتلمذ على يديه أجيال من خيرة شباب الكويت، تقلد بعضهم مناصب قيادية في الدولة.

ثم إنتقل بعد ذلك إلى السلك الدبلوماسي حيث عُين ملحقاً صحفياً بسفارة الكويت في بغداد وترقى حتى أصبح المستشار الصحفي في السفارة، وإستمر في عمله لمدة عشرين عاماً، وعند عودته إلى الكويت عُين مستشاراً صحفياً لنائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الإعلام الأسبق الشيخ جابر العلي الصباح رحمه الله، إلى أن تقاعد ليتفرغ للكتابة والتأليف والبحث.

وقد ساهم والد كاتبنا الراحل  في تأسيس جمعية المعلمين الكويتية ورابطة الأدباء ووضع اللبنة الأولى للحركة المسرحية والتأليف المسرحي كما كتب مسرحيتين هما: «المرأة تصنع المجتمع» و«المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله» ، أما في ميدان الصحافة، فلعبدالصمد التركي – رحمه الله – عدة مقالات سياسية وأدبية نشرت في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية، بجانب تأسيسه لمجلة كاظمة وأصبح مديراً لتحريرها وذلك في عام 1984 ، وللمربي الفاضل العديد من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة منها “هذا مجتمعك” وكتاب ” في بيت فاطمة”.

 

مؤهلات عبد الأمير التركي السياسية

من بيئة محبة للعلم و تمارسه حرص الكاتب “عبد الأمير التركي” على تلقي جميع مراحل تعليمه داخل دولة الكويت ثم حصل على بكالوريوس العلوم السياسية من بريطانيا ،وقد أتاح له  هذا النمط من الدراسة القدرة على التحليل السياسي الدقيق و المتعمق في واقع المجتمع العربي عامة و الكويتي خاصة ، فتلونت أغلب كتابات “التركي” برصدٍ سياسيّ مباشرٍ لعددٍ من القضايا المعاصرة مثل: قضية انتخابات أعضاء المجالس النيابية ،أو استبصار لقضايا ستقع في المستقبل مثل تغير العملة والصراع الطائفي  .

وقد بلغ شدة تحمسه لأفكاره السياسية التي طرحها من خلال أعماله الفنية أنه التقى مرة المرحوم الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح وقال له :”كل ما ذكرته في مسرحية حامي الديار 90% هو حاصل اليوم، أما العشرة الباقيات فهي قادمة الى الكويت وأعطتني تصوراً وهو ما سأذكره في مسرحية «نهيتك يا مروان»”  كما قال في مقابلة له مع جريدة «الراي»  ، كما لم يشغله ولعه بالأدب و المسرح عن الانخراط في الحياة السياسية اليومية حيث تقدم لانتخابات مجلس الأمة الكويتي أكثر من مرة إلا أنه لم يوفق في الحصول على النسب المؤهلة .

 

 

عبد الأمير التركي مؤسس المسرح السياسي الكويتي

يعتبر الكاتب الراحل “عبد الأمير التركي ” أبو المسرح السياسي في دولة الكويت بلا منازع إذ اتخذ من مسرحياته مرآة لهموم المجتمع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية واستطاع عبر نصوصه المقروءة و المُشَاهَدة أن يوجه رسائل مبطنة أحياناً وصريحةً في كثير من الأحيان إلى من أسماهم ’ العابثين بأمن الوطن‘ فناقش “التركي ” قضايا شائكة مثل التغييرات الوزارية المتعاقبة التي لا يشعر المواطن بجدواها ولا يراها سوى أفعالاً عبثية ،كما ناقش قضايا الفساد وغيرها .

كما قدم الراحل عدداً كبيراً من الأعمال المسرحية التي تميزت بنقدها الاجتماعي والسياسي من بينها «هذا سيفوه» و«مضارب بني نفط» و«ممثل الشعب» و«جامي الديار» و«حرم سعادة الوزير»، وعدداً آخر من الأعمال  الفنية التي شملت كافة مفردات العمل الفني في الإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما.

 

عبد الأمير التركي في تلفزيون الكويت
عبد الأمير التركي في تلفزيون الكويت

 

عبد الأمير التركي ومقص الرقيب

مع الرسائل السياسية الفجة أحيانا والتي كان يطلقها الكاتب الراحل “عبد الأمير التركي ” عبر نصوصه المسرحية كانت أجهزة الرقابة تقف بالمرصاد لكثير من أعماله؛ فمنع له الرقيب مسرحية «قبل لا يكبر طيره» سنة (1993م)التي وافقت عليها الرقابة كنصٍ ولكن لم توافق على عرضها، ومسلسل «الاعتراف» (2002) الذي وافقت عليه الرقابة لكنها عادت فمنعته من العرض بعدما تم تصويره من ثلاثة  أجزاء.

لذلك اتخذ “التركي” موقفاً عنيفا من قضية الرقيب وقد ظهر ذلك جلياً في تصريحاته الرافضة أن يكون على الكتاب و الفنانين رقباء غير ضمائرهم وحسِّهم الوطني فقال في أحد تصريحاته :” لدينا رقابة بشعة، ولا أحتاج بعد هذا العمر طفلاً من وزارة الإعلام يراجع ما أكتبه ، أنا لدي رقابة ذاتية، أعرف الذي يصلح والذي لا يصلح، وأنا دوماً أقف على الحياد لمصلحة بلدي».

 

عبد الأمير التركي والعمل الصحفي

لم يكن للأديب “عبد الأمير التركي ” وهو المفكر  السياسي و المصلح الاجتماعي أن يترك ميدان الصحافة دون تراث قيّم خاصة وأنه بدأ في رحاب صاحبة الجلالة مبكراً وكان يلجأ إليها كلما أحس بعدم ملائمة المناخ للأعمال الفنية .

بدأ الراحل الكتابة الصحافية في جريدة «أخبار الكويت» في مرحلة الستينات وفي مجلة «الرسالة» الاسبوعية وكذلك مجلة «أضواء المدينة» قبل توقفها عن الصدور، حيث انتقل للكتابة في جريدة «الوطن»  اليومية بزاويته “فنجان قهوة” ثم في جريدة «السياسة» و«عالم اليوم» وأخيرا، في جريدة «الشاهد» بزاويته «نقطة نظام» ككاتب يومي لزاويته نقطة نظام.

 

عبد الأمير التركي والعمل الإذاعي

كان أثير الإذاعة هو المحطة الأولى التي انطلق منها قطار الإبداع في حياة “عبد الأمير التركي ” حيث قدم برنامجه الإذاعي الأول “نافذة على التاريخ ” عام 1965 م ثم عين لاحقاً بوظيفة مخرج عام 1970 م ثم عين رئيسا لقسم الإخراج حتى تقاعده عام 1983.

خلال مسيرته الإذاعية قدم عدداً من البرامج منها “نافذة على التاريخ ” الذي استمرت إذاعته لمدة أربع سنوات ومسلسل “من طق طبلة” الذي كتب أحداثه ايضا.

 

الأعمال التلفزيونية للكاتب عبد الأمير التركي

ما بين المنع و النشر قدم الفنان الكويتي الراحل “عبد الأمير التركي” مجموعة متميزة من الأعمال التلفزيونية إلا أن أبرزها و أكثرها شهرة على الإطلاق هو المسلسل الكوميدي  “درب الزلق ” الذي يحلَّ ضيفاً دائماً على جميع المحطات الفضائية الخليجية و بعض المحطات العربية منذ عرضه الأول وحتى الأن !!

يحكي المسلسل قصة الأخوين حسينوه (عبدالحسين عبدالرضا) وشقيقه سعد (سعد الفرج) اللذين يصبحان من الأثرياء بين عشية وضحاها نتيجة شراء الحكومة منزلهم (وهو ما يعرف بالـتثمين في الكويت). فتبدأ بعد ذلك مغامراتهم في المشاريع التجارية مشروع تلو الآخر، وهذه المشاريع تقودهم إلى عدد  من المغامرات والحكايات المضحة  التي  ترصد المتغيرات الاجتماعية التي عاشتها الكويت لاحقا.

 

مسلسل درب الزلق أحد أبرز أعمال عبد الأمير التركي
مسلسل درب الزلق أحد أبرز أعمال عبد الأمير التركي

عبد الأمير التركي والغروب الدامي

جاءت وفاة ” عبد الأمير التركي ” المفاجأة في العشرين من أكتوبر لعام 2015 إثر حادث سير مروري صدمة لكل محبيه وأصدقائه داخل وخارج دولة الكويت وتتابعت الأقلام ترثي هذا الكاتب و الفنان و السياسي الذي كان أشبه ما يكون طوال  مشواره الفنيّ بذاكرة الأمة التي حوت الكثير من المواقف و الرجال إلا أن الوقت لم يتسع أمامها لتفصح عن  الكثير من أسرارها .

أضف تعليق