مؤرخ ومعلّمٌ ورائدٌ وداعية ورحّالة وسفير كويتي عالمي
كان عبد العزيز بن أحمد الرشيد البدّاح الكويتي الحنبلي “كما كان يقدّم نفسه في كتبه” والمعروف به أنه أول مؤرخي الكويت.
ويقول في بعض اللقاءات أنه كان يحدث نفسه كثيراً بتدوين سفر في التاريخ يوثّق لبلاده قبل زمن طويل من شروعه الفعلي في جمع مادته، وكان يعتبره هدية لوطنه وشعبه ، ولا غرابة أن تهيأت له سبل كتابة مثل هذا السفر المهم منذ صباه ، حيث حفظ القرآن في طفولته، وطلب العلم على أيدي كبار علماء الإسلام في بلده والبلاد العربية مثل الشام والحجاز، فتعلم آداب اللغة والعلوم الشرعية قبل أن يعود إلى بلاده ويشارك في صنع التاريخ.
عبد العزيز الرشيد المعلم والإصلاحي
عندما وصل المؤرخ عبد العزيز الرشيد إلى الكويت بعد إحدى جولاته التعليمية في 1911 وجد بوادر النهضة الثقافية في الكويت والتي تزامنت مع إنشاء المدرسة المباركية ، وواجهها إندلاع موجات المعارضة والتشدد المناهضة للتعليم ومواكبة العصر ، فاختار لنفسه جانب الإصلاحيين مثل يوسف القناعي وصقر الشبيب ، وكانت له مواقف واضحة وشجاعة حول عدد من القضايا الثقافية والتعليمية والتربوية والإسلامية في الكويت والسياسية.
وقد أهلته كاريزميته وثقافته وعلمه ووطنيته وحس المبادرة والمسؤولية إلى تقلّد عدد من المناصب المهمّة في تاريخ الكويت، فكان مديراً للمدرسة المباركية حاول خلالها تعديل المناهج لتتضمن مواداً جديدة مثل الجغرافيا والهندسة واللغة الإنجليزية لأول مرة في تأريخ الكويت ، ولكن ناهضه المتشددون الذين رأوا في ما ذهب إليه بدعة وإنتهاكاً لما حرموه من قبل من مواد دراسية على طلاب المدارس.
وناصبه بعض الأهالي العداء تقليداً للتيار المتشدد وسباحة معه ، فحوّل مسرح تجربته إلى المدرسة الأحمدية التي إقترح إنشاءها خصيصاً لغرض إتاحة المواد والعلوم الجديدة لطلاب العلم في الكويت ، وإنضم إلى هيئتها التدريسية، فنجحت تجربته كما توقع وشهد على نجاحها المجتمع الكويتي ولم يكتف بذلك بل أدخل أيضاً التجريب المسرحي إلى المدرسة الجديدة والبيئة الطلابية.
صراع عبدالعزيز الرشيد مع المجتمع الكويتي
كان عبد العزيز الرشيد يتسم بإيجابية مكّنته من رؤية الفرص في عمق المشاكل، وكان حكيماً ولم يكن ضعيفاً ولم يستسلم لدعاة التقليد والرجعية ، وحدث المحتوم وهو الصراع بين الحداثة والتقليد الذي أدى إلى أن يهدر المتشددون دمه بسبب موقفه المؤيد للصحافة في الكويت ، والذي دفعه فيما بعد لريادة الصحافة العربية والإسلامية من الكويت ، وهو صراع جسّدته بشكل رائع مسرحيته بعنوان “محاورة الإصلاحيين” التي أداها تلاميذ المدرسة الأحمدية، الذين كانوا يدرسون المواد التي لم يستطع أن يفرضها على مناهج المدرسة المباركية ولكنه أسس لها مدرسة خاصة، هو ذات الصراع الذي جعله يشعر بأزمة موطنه ويصمم على المشاركة في صنع التاريخ من مستويات أعلى ، فإنضم إلى عضوية المجلس التشريعي الأول ، وساهم في تأسيس النادي الأدبي والمكتبة الأهلية في الكويت، وشجع الطلاب على السفر إلى طلب العلم.
كتاب تاريخ الكويت
بدأ الرشيد كتابة سفره “تاريخ الكويت” في عام 1925 وإنهمك في جمع المعلومات والوثائق له من جميع الثقات ذوي الصلة بالكويت في عهده سواءً أكانوا داخل الكويت أم خارجه، وكان على رأس من وقف معه في هذا العمل العظيم الشيخ أحمد الجابر الصباح، الذي فتح له ديوان الحكم على مصراعيه ليستعين بوثائق الدولة ومستنداتها وعقودها الرسمية في تدوين وقائع التاريخ الكويتي من مصادرها الموثقة، هذا بالإضافة إلى المصادر الوطنية والخارجية الأخرى التي قصدها الرشيد عن ثقة ومعرفة لإستقاء الأخبار والأحداث والمعلومات بدقة وصدق ، ولم يتأخر خروج الكتاب طويلاً فقد صدر عن المطبعة العصرية في بغداد عام 1926وكان إهداءه إلى الزعيم التونسي عبد العزيز الثعالبي ، وهذه الجزئية تقودنا مباشرة إلى قومية عبد العزيز الرشيد وإتجاهه إلى الأمة العربية والإسلامية بقدر إنتماءه لوطنه الكويت وحبه له.
إنتماء عبدالعزيز الرشيد العربي الإسلامي
والجدير بالذكر أن المؤرخ الرشيد ذكر في بعض لقاءاته أنّه كان يحدث نفسه بتدوين تاريخ الكويت قبل فترة طويلة من البدء فيه، وكان يعدّه هدية لوطنه ومواطنيه ، فصدر تاريخ الكويت الذي تتبع فيه كاتبه مسارات الأحداث والوقائع إلى خارج أرض الكويت ووثقها ودونها ، فطباعة الكتاب كانت في بغداد وكان إهداءه موجهاً إلى الزعيم التونسي عبد العزيز الثعالبي ، وهو شيء ليس غريب على السيد عبد العزيز الرشيد فالمتأمل لسيرته يرى بوضوح مذهل مدى ذوبان وجدان هذا الرجل في الأمة العربية والإسلامية، فقد كان يجوب البلاد العربية والإسلامية إلى أن لُقب بالرحالة، ولكنه لم يكتف بذلك بل إرتبط بصداقات عربية وإسلامية في جميع البلدان التي قصدها.
في ذات الوقت الذي كان عبد العزيز الرشيد مشغولاً فيه بتدوين أجزاء تأريخ الكويت كان يرفد منشورات العالم العربي والإسلامي بكتاباته الصحفية فكان أول كاتب صحفي كويتي ، ومن تلك المطبوعات جريدة الشورى التي كان يراسلها من الكويت، ومجلة اليقين ومجلة الهلال ، ثم أسس مجلة الكويت في عام 1928 بدعم ورعاية الشيخ أحمد الجابر الصباح كأول مجلة في الخليج، وهدفها هو نشر الإصلاح والقضاء على التخلف في الكويت والعالم العربي، وكان يطبعها الأديب السوري خير الدين الزركلي من القاهرة ، وكان يشترك في المجلة في بداية صدورها 300 شخصاً من مختلف دول العالم العربي بالإضافة إلى الكويتين بالطبع ، ليس هذا فقط بل أنه أصدر معظم أعداد السنة الثانية من البحرين، وقد جذبت المجلة أقلام مثقفي العروبة والأسلام في ذلك الوقت أمثال عبد القادر المغربي، وشكيب أرسلان، وعبد العزيز الثعالبي، ومحمد علي طاهر ، وقد جمعت أعداد المجلة بعد ذلك في كتاب اسمه (أعداد مجلة الكويت).
وهكذا كانت الكويت رائداً للإصلاح ونبذ التخلف بين العرب والمسلمين من خلال عبد العزيز بن أحمد الرشيد وصحبه من الروّاد الكويتيين.
عبدالعزيز الرشيد الداعية الإسلامي
ومن مظاهر إنتماء عبدالعزيز الرشيد العربي الإسلامي سفره إلى أندونيسيا بغاية الدعوة إلى الإسلام ودعوة الإندونيسيين إلى الحج في مبادرة مشتركة وبدعم من الملك السعودي آنذاك عبد العزيز آل سعود ، ويقال أن مقترحها هو وزير مالية السعودية وقتئذ عبد الله السليمان الحمدان ، ما يهمنا هنا أنه سافر إلى أندونيسيا وفي ذهنه أنه بالإضافة إلى المقترح السعودي حل مشاكل الجالية الإسلامية هناك التي كانت تعيش صراعاً بين الإرشاديين والعلويين ، وفي طريقه إلتقى بصديقه العراقي يونس بحري وهو صحفي ومذيع ورحالة صاحب “إذاعة برلين الحي العربي” الذي وافق على رفقته في مهمته الإصلاحية الجديدة فنزل ضيفاً عند صديقه السوداني الداعية أحمد سوركتي المقيم هناك ، والأمر لم يعد يحتاج إلى ملاحظة وسيرته باتت محتشدة بالبلاد والأسماء الإسلامية والعربية من كل فجاج الأرض.
وصدرت بعد ذلك بقليل صحيفة الكويت والعراقي وهي مجلة شهرية صدرت من جاوة وصمدت لستة سنوات وقد كتب الرشيد في مقدمة عددها الأول: ” هذه المجلة (الكويت والعراقي) نقدمها إلى القراء الكرام في عاصمة البلاد الجاوية التي نراها في أشد الحاجة إلى مثلها، قياما بما علينا من واجب محتم لديننا المقدس وأبنائه الأماثل، وحسبنا شرفا بإنجاز مشروعنا اليوم أن نكون من أنصار الحق في وقت قل فيه مساندوه، ومن دعاة الفضيلة في عصر كثر قائلوها، وستعنى هذه المجلة بشرح حقيقة الدين الإسلامي وتنقيه من كل ما ألصق به من بدع” ، ولكنه أيضاً لم ينج من عداوة المخالفين والمتضررين من جهوده وأنشطته هناك .
ثم عمل هناك بالتدريس والقاء المحاضرات باللغة العربية والدين الإسلامي لفترة ، قبل أن يرحل في جولة إلى بعض البلاد العربية والإسلامية مارّا على وطنه الكويت التي كانت تعاني من وباء الجدري حينها ، ثم عاد إلى في أوائل عام 1933 أندونيسيا مرّة أخرى ليصدر مجلة “التوحيد” التي لم تكمل عامها الأول نظراً لإنتقال الرشيد إلى بكالونجان للعمل في التدريس حيث أمضى ثلاث سنوات هناك قبل أن يعود في آخر زياراته إلى الكويت في 1937 وهذه الزيارة هي الآخرى كانت ضمن جولة شملت البصرة وبغداد لمواصلة بعض من قدامى الأصدقاء ، وفي طريق عودته في منتصف السنة مرّ على الرياض لمقابلة الملك ثم إعتمر وغادر إلى سنغافورة ثم إلى جاوة حيث توفي رحمه الله فيها دفن هناك عن عمر 51 عاماً.
إرث عبدالعزيز الرشيد
خلف المؤرخ والكاتب والشاعر عبدالعزيز الرشيد عدد من القصائد المتفرقة التي نظمها في مختلف المناسبات ، ولكن ما لا شك فيه أن أهم عمل له والذي ترك بصمته الواضحة فيه هو كتاب “تاريخ الكويت” وهو من ضمن ثلاثة كتب هي:
- رسالة تحذير المسلمين من اتباع غير سبيل المؤمنين .
- تاريخ الكويت في جزئين .
- رسائل الدلائل البينات في حكم تعليم اللغات.