الفنانة عائشة إبراهيم نجمة لمعت في سماء الحياة الفنية بدولة الكويت والتي تزخر بعددٍ غير قليلٍ من الفنانين والفنانات الذين أسهموا في خلق الحالة الفنية الراقية التي شهدتها ساحة الفن بشكل عام و العمل التلفزيوني و المسرحي على وجه الخصوص.
ولعل فترة الخمسينات من القرن الماضي هي التي شهدت الانطلاقات الأولى لرواد هذا الفن في وقت كانت التقاليد والعادات المحلية تمثل تحدياً كبيراً لمن أراد أن يكسر طوق المألوف ،وينطلق إلى عالم الأضواء بما يسبقه من سمعة و شهرة غير محفزة للأسر و العائلات المحافظة التي رأت في انضمام أبنائها وبناتها لمهنة التمثيل أمراً يستحق النظر و التريث قبل اتخاذ القرار.
لذلك يجب النظر بمزيد من الاعجاب لجيل الرائدات في فن التمثيل في دولة الكويت اللاتي كنّ سابقات لمثيلتهن في دول الخليج العربي في اقتحام هذا المجال الشائك ،واثبات موهبتهن وقدرتهن على التعبير عن هموم المواطن العربي وخاصة المرأة أماً، وزوجةً، و موظفة بل وفي جميع أطوار حياتها .
عائشة إبراهيم وجيل الروّاد
من هذا الجيل الفذ الرائد الفنانة الكويتية “عائشة ابراهيم ” التي ولدت في 18 اكتوبر عام 1944 م في ضاحية “القبلة” بمدينة “الكويت” ،ثم انتقلت منه إلى حي الشرق حيث بدأت هناك تتلقى خطواتها التعليمية الأولى على يد إحدى المطوعات تدعى “وضحة”.
استمرت “عائشة ابراهيم ” في سلكها الدراسيّ التقليديّ حيث التحقت بعدة مدارسٍ ثانويةٍ ، إلا أنها لم تكمل مسيرتها التعليمية ،و لم تسجل لنا هذه الفترة أي نشاطات فنية ملحوظة حتى انتسبت “ابراهيم ” إلى (معهد تدريب الفتيات) التابع لـ(وزارة الشؤون الاجتماعية و العمل) بالكويت عام 1959م ، ودرست فيه لمدة ثلاث سنوات حرصت خلالها على متابعة العروض المسرحية والأعمال الفنية التي كانت قد بدأت في الظهور على استحياء في ذلك التوقيت مع مشاركات بسيطة في تجارب فنية داخل المعهد .
وربما يكون زواجها في السنة النهائية من الدراسة وانتقالها إلى بيت زوجها في منطقة “الصالحية” وتحملها أعباء الحياة الزوجية سبباً مباشراً في تأخر ظهورها الفني .
رفض و تحدي واجهته عائشة إبراهيم
كانت البداية الرسمية الأولى للفنانة “عائشة ابراهيم ” صادمةً ،مملوءةً بخيبةِ الرجاءِ الغير متوقعة، وذلك أنها حاولت التواصل مع الأستاذ “محمد النشميّ” الذي كان مسؤولا آنذاك عن “مؤسسة المسرح والفنون” التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لإتاحة الفرصة لها للعمل في إحدى الفرق المسرحية إلا أن طلبها رُفِضَ من قِبَل “النشميّ” مما سبب لها حالةً من الصدمة إذ كانت تطمح أن تبدأ مسيرتها الفنية من داخل المؤسسة .
لم تيأس الفنانة “عائشة ابراهيم ” ونجحت أخيراً في الحصول على دور متميز في مسرحية “حظها يكسر الصخر ” في عام 1963 م ،ومنه كانت بدايتها الفنية والإعلامية حيث كان هذا العمل الأول هو بوابتها لدخول المجال الإعلامي فقدمت برنامجها الأشهر “ديوانية التلفزيون” والذي كان يكتب حلقاته “محمد النشميّ” نفسه الذي رفض عملها بالمسرح من قبل ! وشاركه كتابة الحلقات “حسين صالح الحداد” بينما كان الإخراج لــ “خالد الصديق”.
ورغم العائد الماديّ القليل الذي تلقته الفنانة “عائشة ابراهيم” نظير عملها بالبرامج التلفزيونية إذ بلغ أول أجر لها في التلفزيون ستة دنانير مقابل أربعين ديناراً عن عملها في المسرح إلا أن العمل داخل التلفزيون استغرق الكثير من وقتها وأبعدها مؤقتاً عن العمل المسرحي.
عائشة إبراهيم وعشق المسرح
في نهايات عام 1964م كان الحنين إلى خشبة المسرح يلح بقوة على الفنانة “عائشة ابراهيم ” فبدأت تتلمس طريقها من جديد و تبحث عن مغامرة مسرحية تعود بها مرة أخرى ،وقد التقت رغبتها مع رغبة المخرج “حسين الصالح الدوسري” في البحث عن ممثلات لمسرحيته “عشت وشفت ” وقدمتها فرقة المسرح العربي من تأليف “سعد الفرج” مع مريم عبدالرزاق وغانم الصالح وعلي البريكي.
لم يقتصر دور الفنانة “عائشة ابراهيم” على الأداء المسرحي وإنما سعت إلى تكوين الفرق المسرحية الخاصة حتى تستطيع أن تقدم المزيد من النصوص والأعمال بشكل مستمر ؛ففي نهايات شهر نوفمبر من عام 1964 م انضمت إلى فرقة (المسرح العربي) وكونت ثنائيًا فنيًا مع الفنان الكويتي (عبد الحسين عبد الرضا) ،بينما بنهاية عام 1974 م أسست فرقة مسرحية جديدة باسم (فرقة (المسرح الحر) مع مجموعة من الفنانين مثل : محمد جابر وعبد العزيز النمش وعبد الله خريبط وعبد الله المسلم وعبد العزيز الفهد حيث قدمت معهم مجموعة من الأعمال في التليفزيون والمسرح والإذاعة.
أبرز أعمالها التلفزيونية
شاركت الفنانة “عائشة ابراهيم” في عدد كبير من الأعمال الفنية التي لا يزال الجمهور العربي يتذكرها بها وبروعة أدائها منها: «مذكرات بوعليوي»، «الحدباء»، «عائلة بومريان»، «شرباكة»، «شمعة تحترق»، «فهد العسكر الرحلة والرحيل – ثلاثية»، «أشياء ضرورية»، «بدر الزمان»، «أحلى الأيام»، «مبارك»، «الأسوار»، «الجرح الجديد»، «إلى من يهمه الأمر»، «للحياة بقية»، وآخر عمل لها كان في العام 1992م بعنوان «الماضي وخريف العمر»، بطولة الفنان سعد الفرج والفنانة المصرية بوسي، إبراهيم الحربي، عبد الإمام عبدالله، باسمه حماده وزهرة الخرجي.
كما شاركت الفنانة الراحلة في مسلسل «عتاوية الفريج» العام 1980 م ،واشتهرت بشخصية السكرتيرة «تراجي» كما اشتهرت في مسلسل «علاء الدين» الذي عرض في العام 1980، وجسدت فيه شخصية «أم علاء الدين» وهي شخصية جميلة نالت إعجاب المشاهدين ،وفي العام 1989 م كان للراحلة عمل مميز وهو مسلسل «الطماعون» الذي عرض على تلفزيون الكويت، ولعبت دور «أم صقر» زوجة الراحل الفنان علي المفيدي، والعمل من بطولة الفنان خالد العبيد، الراحل علي المفيدي، جاسم النبهان، إبراهيم الحربي، منى عيسى.
مقولات للفنانة عائشة إبراهيم
حرصت الفنانة “عائشة ابراهيم ” على توثيق علاقتها بالفن و الأعمال المسرحية التي شاركت فيها عبر عدة مقولات سجلتها صفحات الدوريات و الندوات الفنية ، فعن قيمة المسرح بين بقية الأنواع الفنية الأخرى تقول ” لا شكّ في أن المسرح هو سيد الفنون، على خشبته يكون التجاوب سريعاً بين الممثل وجمهوره، وأنا أجد نفسي فيه “،أما عن أحب الأعمال الفنية إلى قلبها فتقول:” أعتزّ بأدواري كلها… وأقربها إلى نفسي دوري في مسرحيتي {المخلب الكبير} و{عشت وشفت}”.
وعن رؤيتها للتعاون الخليجي في مجال الفن تقول:” أؤيد التعاون الدائم بين الكويت ودول الخليج في الأعمال الفنية لأنه يزيد من ترابطنا كعرب، وعن طريقه نتبادل الأفكار والأعمال الجيدة”. ،بينما جاء رأيها جريئاً حول قضية علاقة عمر الممثلة بالأدوار التي تؤديها فقالت:” أديت أدواراً متنوعة: الفتاة والأم والجدة، يأتي هذا التنوع من قناعتي بإمكاناتي في أداء الأدوار كافة، أما الفنانات اللواتي يرفضن أداء مثل هذه الأدوار، فأعتقد بأن عقدة السن وراء هذا الرفض، لأنهن يشعرن بأنهن صغيرات ودور الأم لا يناسبهن، إضافة إلى افتقارهن إلى القدرة على تجسيد مثل هذه الأدوار”.
التكريم المستحق
حصلت الفنانة الراحلة “عائشة ابراهيم ” على عدد كبير من الجوائز والتكريمات التي جاءت تكلل مسيرة حافلة بالأعمال المسرحية و الدرامية ، ففي عام 1997 م حصلت على درع نجم المسرح العربي الأول ،وعام 1980م على الجائزة الفضية من فئة (ب) عن دورها في مسرحية «شاليه السعادة» ،وفي 1989 م أخذت جائزة أفضل ممثلة في المهرجان المسرحي المحلي الأول.
الرحيل المؤلم للفناة عائشة إبراهيم
في بداية عام 1990 م عانت “عائشة ابراهيم ” من ألام مبرحة بمنطقة الصدر اضطرت على إثرها إلى الانتقال إلى المستشفى ،وفي يوليو من نفس العام اضطرت لإجراء جراحة لاستئصال بعض الأورام إلا أن قوات الغزو العراقي للكويت حينها قامت بإخلاء المستشفى فاضطرت إلى المغادرة دون استكمال علاجها مما أثر على حالتها الصحية لاحقاً ،وفي شهر سبتمبر من عام 1992 م غادرت الفنانة “عائشة ابراهيم” عالمنا عن عمر يناهز الثامنة والأربعين مخلفة ورائها ثروة قيمة من الأعمال الفنية و الإعلامية .
جدي النوخذة عيسى احمد النشمي ابن النوخذة احمد مو مذكور