شاعر الكويت أحمد مشاري العدواني مؤلف النشيد الوطني

الشاعر و الأديب الكويتي الفذّ “أحمد مشاري العدواني” أحد حملة المشاعل المخلصين في منطقة الخليج بل وفي المنطقة العربية بأسرها

تَفخر كلُ أمةٍ بحملة المشاعل الرواد من أبنائها الذين حملوا على عاتقهم مهمة التأسيس للدولة الحديثة بمتطلباتها الثقافية و العلمية الواجبة و التي لا تخرج عن التراث التاريخي للبلاد إلا لتضيف إليه المزيد من الأصالة فتكون بمثابة الجسر المتين الذي يعبر عليه الوطن من البداوة إلى الحداثة و من التقليدية إلى المعاصرة .

الشاعر الكويتي أحمد مشاري العدواني
الشاعر الكويتي أحمد مشاري العدواني

ولقد كان الشاعر و الأديب الكويتي الفذّ “أحمد مشاري العدواني” أحد حملة المشاعل المخلصين في منطقة الخليج بل وفي المنطقة العربية بأسرها إذ صادف أنه كان من جيل كتب عليه أن يشهد مرحلة تعاظم فيها الطموح القومي و علت فيها أصوات التحرر الوطني حتى تشبعت بها قلوبهم و أعمالهم فرسمت خطواتهم و حددت مسارهم وأهدافهم .

 

نشأة أحمد مشاري العدواني الإسلامية و أثرها

وُلِد الشاعر الراحل ” أحمد مشاري العدواني” في عام 1923 م بحيّ «القبلة»، بالكويت العاصمة وبدأت رحلته مع التعليم بحفظ القرآن الكريم في “الكتاتيب” ثم أتم تعليمه الابتدائيّ و الثانويّ بالمدرستين الأحمدية و المباركية .

لم تقتصر فترة النشأة في حياة العدواني على تحصيل العلوم المدرسية فحسب وإنما شاءت الأقدار أن تُعدَّ الطفل النابه لمَهمة جليلة في خدمة وطنه والثقافة العربية ، فبعد أن أطلق القرآن الكريم لسانه وغذّى حفيظته بمفرداته وتراكيبه المُعجزة وصقلَ روحه بمعانيه السامية ،تفتحت عين الصبيّ على مكتبة والده الضخمة التي تضم كنوزاً من ا لأدب العربي القديم فقرأ العدواني المعلقات وسير الفرسان والأبطال العرب لتتشرب ملكاته منذ نعومة أظفاره معاني المروءة و الشرف و الفروسية .

ومما كان له عميق الأثر في نمو ذائقته الشعرية و تفتح قريحته تلك المساجلات التي كان يعقدها والده مع محبي الشعر وقارضيه من أبناء الكويت ،فتُروى طرائف الشعراء و نوادر اللغة وتثار المناقشات حول قصائد المتنبي و أبي نواس والبحتري جنباً إلى جنب مع قصائد أحمد شوقي و العقاد و إيليا أبي ماضي وغيرهم من رواد النهضة الأدبية الحديثة .

 

أحمد مشاري العدواني و رحلة التنوير

مع حاجة دولة الكويت لإعداد كوادرها الخاصة في ذلك الوقت اُبتعث الطالب أحمد مشاري العدواني كأحد الطلاب الفائقين مع ثُلةٍ من زملائه للقاهرة حيث درس اللغة العربية التي أحبها في كلية اللغة العربية في الأزهر الشريف في الفترة من (1939-1949م).

وخلال هذه الفترة كان “العدواني” قد بدأ يتلمس طريقه وينظر بعين المستقبل إلى واقع وطنه الذي كان أيضاً يخوض مرحلة مخاض جديد ينتقل فيه من حياة البداوة و الصيد إلى تكوين الدولة الحديثة فحرص على أن يكون له بعض الأثر في ذلك فبدأ بنشر  مقالاته في مجلة “البعثة” مع رفيقه حمد الرجيب في الفترة من (1946-1954م) حيث أعتبرت تلك المجلة بعدئذ بمثابة الأم للمطبوعات و الدوريات الثقافية الكويتية بما اتاحته من فرصة لتلاقي مجموعة من ألمع العقول الثقافية الكويتية في زمانها والذين أصبحوا رواداً للنهضة داخل الكويت بعد ذلك.

إلا أن الملمح الأهم في تلك الفترة من حياة “أحمد مشاري العدواني” وهو تحرره شخصياً من فكرة حدود القبيلة و الوطن الضيّقة إلى رحابة الإنسانية الواسعة مما جعله يؤمن أن التراث الإنسانيّ حق لكل البشر وأن النظرات المتقوقعة لا تبني إنساناً ناضجاً ولا أوطاناً قوية.

وقد وصف الناقد الأدبي د. جابر عصفور هذه المرحلة في حياة العدواني وصفاً دقيقاً فقال : “وإذا كان هذا الحوار هو الذي نقل شعر العدواني من وعي القبيلة التقليدية (الذي أغرق بعض معاصريه من شعراء الكويت) إلى وعي المدينة الحديثة، حيث الآفاق المتجددة للتحديث والتجريب، فإن هذا الحوار هو الذي جاوز بشعره قيود المحافظة بمعناها العرقي (الذي ينغلق على الشعر العربي وحده) إلى العوالم الرحبة للشعر العالمي ولم يكن من قبيل المصادفة أن ينطلق العدواني من جدران “الأزهر” الذي أنهى دراسته فيه بالقاهرة عام 1949 ليدخل عوالم الإبداع العالمي عام 1950، فيستوحي قصيدة للشاعر الإنجليزي توماس هاردي، مؤسسا بذلك ملمحا ثابتا لم يفارق شعره قط”.

 

 

أحمد مشاري العدواني المعلم و المنهج

عند عودة الشاعر الراحل أحمد مشاري العدواني إلى دولة الكويت عين كمعلم للغة العربية لمدة سبع سنوات في المدرسة القبلية و ثانوية الشويخ إلا أن عطائه لم يقتصر في تلك المرحلة على التدريس و حسب وإنما شارك وترأس أيضا العديد من اللجان والمؤتمرات العربية التربوية والثقافية وشارك في وضع المناهج الدراسية و الخطط التعليمية وفق رؤيته الطموحة لتشكيل أجيال تؤسس للمستقبل .

قضى العدواني ما يقرب تسع سنوات في الحقل التعليمي متنقلاً بين عدة مسئوليات حيث نُقِلَ عام 1956 ليشغل منصب السكرتير العام لإدارة المعارف، وعُيِّن بعد عام معاوناً فنياً، كما عُيِّن وكيلاً مساعداً لوزير التربية في عام 1963.

 

تحديات أحمد مشاري العدواني الوطنية

كانت البصمات الأكثر تأثيرا للراحل “أحمد مشاري العدواني” عند انتقاله إلى وزارة الإعلام (1965م) حيث عيّن وكيلاً مساعداً لوزير الإعلام لشؤون التلفزيون، ثم وكيلاً مساعداً للشؤون الفنية ،ثم أُسند إليه عام 1973 منصب الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عند تأسيسه و هي اللحظة التي  بدأ العدواني فيها في تنفيذ مخططه في وضع بنية تحتية للثقافة و الفنون بالكويت أسوة بأعمال البنى التحتية للمرافق و الطرق التي شهدتها البلاد في نفس التوقيت .

شهدت هذه الفترة إقامة العديد من المؤسسات الثقافية و الفنية واطلاق سلاسل الكتب التي تحمل المعرفة و الأدب إلى جميع أنحاء الوطن العربي بأسعار زهيدة مساعدة في ترويج الثقافة و الفنون فمن المؤسسات التي أنشئت في هذا الوقت برؤية “العدواني ”  المعهد الثانوي للموسيقى 1972، والمعهد العالي للفنون المسرحية 1973 والمعهد العالي للموسيقى 1973، وافتتاح صالة الفنون 1974، وإقامة معرض سنوي للكتاب 1975، وإطلاق الأسابيع الثقافية 1977، والمشاركة في الخطة الشاملة للثقافة العربية 1982.

 

الأغنية في حياة أحمد مشاري العدواني

كانت الأغنية في حياة أحمد العدواني جزء من مخطط النهضة لمنطقة الخليج العربي إذ كانت الأغنية الكويتية هي الرائدة في المنطقة وقد ساهمت كتابات الرعيل الأول من الشعراء و الأدباء الكويتيين في تطوير الأغنية و منحها مساحات جديدة للتعبير .

حاول العدواني بكلمات أغانيه أن يرصد اللحظات الوطنية الفريدة في تاريخ دولته وأمته فكتب عن كتابة الدستور الكويتي ويوم الاستقلال و حروب الجيش الكويتي ولم يغفل التعبير عن النواحي العاطفية بقصائد غنائية شدا بها نجوم الغناء في الكويت و المنطقة العربية .

ومن أشهر أعمال أحمد مشاري العدواني الغنائية أغنية “سلو الكاعب الحسناء” التي لحنها أحمد الزنجباري ، كما غنى له شادي الخليج أيضا “ياللي مشغل بالي” و “فرحة العودة” و”هولو” و”صدى الماضي”، وغنى له الراحل غريد الشاطئ “يا ساحل الفنطاس”، وعوض الدوخي “دوبي أطوف الليالي”، و”لياي الهدى” من ألحان حمد الرجيب، وعدد من المطربين.

كما غنى له عدد من قمم المطربين العرب فغنت له كوكب الشرق أم كلثوم أغنيتين وطنيتين قدمتهما بصوتها في حب الكويت ، وغنت من كلماته المطربة نجاح سلام أغنية “اداري والهوى نمام”، أما المطرب عبد الحليم حافظ فقد غنى له “يا فرحة السمار”.

صور وسوانح مجموعة شعرية للشاعر الكويتي أحمد مشاري العدواني
صور وسوانح مجموعة شعرية للشاعر الكويتي أحمد مشاري العدواني

أحمد العدواني شاعر الكويت الصامت

رغم أن أحمد العدواني كشاعر يعتبر هو الأول من أبناء الكويت المعاصرين الذين  تجاوز صوتهم حدود الكويت إلى آفاق الأمة العربية و العالم بأسره إلا أنه يعتبر من الشعراء المقلين من حيث الإنتاج العزوفين عن النشر بشكل كبير .

ومن العجيب أن العدواني بدأ نشر قصائده مبكراً جداً منذ العام 1947-1946 م وهو طالب في القاهرة إلا أن مسيرته الشعرية شهدت توقفاً وانحساراً طويلاً إستمر لما يقرب من العشر سنوات خلال الفترة 1953-1962 عاد بعدها إلى النشر، وأصدر في حياته ديواناً واحداً هو «أجنحة العاصفة» 1980، وبعد وفاته أقامت مؤسسة البابطين للإبداع الشعري دورة باسمه عام 1996 في أبو ظبي، وبهذه المناسبة صدرت أعماله الشعرية الكاملة في مجلد واحد.

شهد أسلوب العدواني الشعريّ تطوراً ملحوظة منذ القصيدة الأولى التي كتبها حتى أواخر قصائده فقد بدأ بحس رومانسّي صياغة ومحتوى ،ثم تلونت قصائده بحس واقعيّ اجتماعيّ قبل أن تنتهي بنزعة صوفية زاهدة .

وأحمد مشاري العدواني من الشعراء القلائل الذين استطاعوا أن يجمعوا بين خصوصية المكان والثقافة وبين الانفتاح على الإرث الحضاري الإنساني دون تقوقع أو تغريب يقول الناقد الأدبي د. جابر عصفور عن تجربته الشعرية “إن أهم ما يميز شعر العدواني أنه بالقدر الذي يغوص في أعماق واقعه الخاص، ليستخلص منه رموزه المميزة وأمثولاته الدالة، على النحو الذي يجعلنا نشعر بخصوصية معنى “الجمل” و “النخلة” و “الصحراء” أو نشعر أننا إزاء “صفحة من مذكرات بدوي” أو إزاء معنى خاص جدا لأمثولة “معزتنا العجفاء”، فإن هذا الشعر يستشرف الآفاق المتجددة للشعر العربي كله، ويصل الحلم القومي لهذا الشعر بالحلم الإنساني الذي ينطوي على معنى الإنتقال من مستوى الضرورة إلى مستوى الحرية ، ومن هنا انسرب في شعر العدواني هذا النوع من “التناص” الذي يكشف عن حوار دائم بينه وبين الإبداع العربي الموازي”.

ولقد جاء التكريم الحقيقي  للراحل أحمد العدواني كشاعر في اسناد مهمة كتابة النشيد الوطني لدولة الكويت الذي يقول في مطلعه :

وطني الكويت سلمت للمجد  وعلى جبينك طالع السعد

ليظل اسم الشاعر  مرتبطاً بوطنه في كل مرة يتلو النشيد الوطني طفلٌ في مدرسته ،أو مبتعثٌ في غربته ،أو مسئولٌ في مهمته فتتدفق كلماته مع مشاعر التبجيل و الاشتياق للأرض و الأهل و الوطن.

 

أضف تعليق