هناك حاجة دائمة لمعرفة التاريخ. فعلى كل أمة أن تعرف تاريخها مهما كان قريب الزمن أو بعيده. وبهذه المعرفة تجعل الأمة من ماضيها واعظاً يجنبها الزلل، وحافزاً يدفعها الى المضي في الطريق الذي بدأته لتبلغ الغاية التي تشدها إليها. وربما كانت الحاجة أمس إلى معرفة التاريخ عندما يشعر الشعب بشيء من الوعي يدفعه الى تنمية حضارته على أساس من تقاليده وتراثه وهذا ما حملني على إعادة طبع هذا الكتاب لمؤلفه المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد الذي هو والدي، بل لعل هذا السر الذي دعا بعض المواطنين أن يشيروا عليّ ملحين بإعادة الطبع بعد أن نفدت الطبعة الأولى.
وبما لا شك فيه أن كتب التاريخ الني تعنى بسرد الأحداث وتاريخ المجتمعات إنما تحقق الغاية فيها إذا توخى كاتبها فيما يتوخى الشمول، والدقة، والصراحة، وأنا أعتقد أن هذا الكتاب قد أوفى على الغاية في النواحي الثلاث، وحقق للقارئ ما يريد منها جميعاً: أما الشول ففي التفصيل الذي امتاز به الكتاب حيث تناول تاريخ الكويت من لدن نشأتها حت الفترة الأولى من تاريخ سمو الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح.
وأما الدقة فتظهر بوضوح في تصوير الحياة الماضية تصويراً جعلنا نحسها ونعيش في جوها، ونلتقي برجالها وعم يكافحون في مضمار الحياة باذلين ما يستطيعون من جهد ليتغلبوا على طبيعة الكويت الشاقة، وليلونوا ظروفها من حولهم تلويناً يسبغ عليها المتعة والجمال. فرأيناهم من أجل هذا كله أهل طموح يركبون البحر بأسطولهم الضخم حاملين التجارة في الخليج العربي والمحيط الهندي وغيرهما، حتى بلغ بعض تجارها فرنسا في ذلك العصر، ورأيناهم أهل جلد وصبر يغوصون في أعماق البحار بحثاً عن نفائسها مستهينين بما يلاقون من صعاب ومشقات حتى إذا ما تهيأت لهم الفرصة للدفاع عن وطنهم تجلى صبرهم وجلدهم ومخاطرتهم في اللقاء العارم والكفاح المرير.
وأما الصراحة فقد كانت منهاجه في كل ما يكتب، وهي صراحة تطالع القارئ في كل صفحة من صفحات الكتاب، فتوقفه على الغرض الذي استهدفه المؤلف، إنه الحرص على تصوير الواقع والأمانة العلمية في تسجيل الأحداث، وربما دعته هذه الأمانة الى الإلمام بالجزئيات أو الاستطراد في ذكر الحوادث ليُلقي بهذا كله ضوءاً على ما يريد بيانه وإيضاحه.
على أن الكتاب لم يقف في فصوله عند حد الأحداث وتاريخ الحكام وإنما تجاوزهما الى النهضتين العلمية والأدبية فسجل لرجالهما ما بلغوه من فضل، وما قاموا به من جهود في سبيل بلادهم، فجاء الكتاب بسبب هذه الإحاطة وافياً، يجد فيه القارئ ما يريد من امتاع العقل والحس والعاطفة في وقت معاً، وأنا حين أقدم هذا الكتاب الى القراء في طبعته الثانية آمل أن يلقى منهم قبولاً وأن يحقق في ثوبه الجديد ما يبتغون على أنني حرصت أشد الحرص على بقائه في صورته التي أُلف عليها حتى لا يذهب التغيير بقيمته التاريخية، وقنعت من تحسينه وتهذيبه بتبويبه وإخراج الجزئين في جزء واحد، وبتجويد الطبع، وبالإشارة العابرة في الهامش إلى بعض الحقائق أو التعليقات التي لا بد منها للمقارنة.
وأنا أرجو بعد هذا أن تتحقق به الفائدة والله الموفق.
يعقوب عبد العزيز الرشيد
المصدر :
كتاب تاريخ الكويت للكاتب المؤرخ عبد العزيز الرشيد