حبّابة الشعب الكويتي الفنّانة مريم الغضبان

 

مريم الغضبان تاريخ عظيم ورائع ومن الاسماء التي تملك رصيدا ذهبيا فلديها أعمال ضخمة لا نزال نستمتع بمتابعتها إنسانة قدمت كل ما هو جميل ورسمت البسمة على شفاه الجميع

 

لم تكن الفنانة الراحلة “مريم الغضبان” مجرد نجمٍ ظهر ثم أفلَ في سماء الحركة الفنية و الإعلامية الكويتية ،بل هي إحدى العلامات البارزة و المشاهد الحاضرة دوما عند الحديث عن المسرح الكويتي أو التأريخ للفن في دولة الكويت ،بل وأيضاً عند الحديث عن دور المرأة وريادتها في منطقة الخليج العربي .

كانت “مريم الغضبان” إحدى القلائل الذين قاموا بأداء شخصيات فنية صارت علماً ورمزاً لحُقَبٍ زمنيةٍ؛ فَمَن في الخليج العربيِّ برُمَتِهِ لا يتذكر “حَبَّابة ” شهر رمضان ،تلك الشخصية التي ارتبط بها الكبار و الصغار على حد سواء فصارت مرادفا للتسلية و المتعة و الغوص في التراث العربي برؤية معاصرة فريدة .

 

مريم الغضبان في بداياتها
مريم الغضبان في بداياتها

 

نشأة الفنانة مريم الغضبان

وُلدت الفنانة الراحلة “مريم غضبان السيد محمود الرزوقي ” في  العشرين من شهر نوفمبر عام 1948 م في حي “المطبة”، حيث حصلت على الثانوية العامة عام 1968 م، ثم دبلوم معهد التمريض وذلك أثناء عملها كممرضة في مستوصف “الدسمة” التابع لوزارة الصحة منذ عام  1959م.

شهدت هذه الفترة ظهوراً فنياً محدوداً لمريم الغضبان حيث لم يكن المسرح المدرسيّ قد انطلق انطلاقته الكُبرى فشاركت الفنانة الراحلة في بطولة عمل فنيِّ وحيد هو مسرحية “الطاعة” في منتصف الخمسينات .

 

مريم الغضبان تدخل بوّابة الفن

كان لدخول الفنانة “مريم الغضبان” إلى ساحة الفن في الكويت قصةً طريفةً إذ كانت قد سبقتها الفنانة “مريم الصالح” بالانضمام إلى ‘‘فرقة المسرح العربي‘‘ بقيادة عملاق المسرح المصري “زكي طليمات” كأولِ امرأةٍ تعمل في هذا المجال الفنيّ ؛وأثناء الإعداد لمسرحية “صقر قريش ” طلب “طليمات” من “مريم الصالح” أن ترشح له إحدى صديقاتها للعمل في المسرحية شريطة أن تكون ممتلئة الجسم !

لم تجد “الصالح” غير صديقتها “مريم الغضبان” التي تشاركها ذات الشغف بالفن فعرضت عليها الفكرة فما كان من الأخيرة إلا أن وافقت مباشرة ليصبح موسم 1961|1962 م هو أول ظهور فني للفنانة الرحلة على مسارح الكويت .

إستهوى العمل المسرحي “مريم الغضبان ” إلا أن بعض المصطلحات والتوجيهات التي يرددها المخرج على المسرح  كانت تسبب لها نوعاً من التشويش فرغبت في التعرف على هذا الفن من جذوره والالمام به بشكل أكاديميّ مهنيّ حتى تستطيع أن تؤدي على خشبة المسرح من خلفية علمية بجانب الموهبة الفطرية الفذة التي تتمتع بها مما دفعها إلى السفر للقاهرة والحصول على دورة في الفن المسرحي عام 1964 م .

 

مريم الغضبان نجمة الأثير المتألق

كان الانطلاق الأكثر تميزاً في حياة الفنانة الراحلة “مريم الغضبان ” عبر أثير الإذاعة التي استطاعت اختراق جدران المنازل في دولة الكويت، وتخطي التقاليد والعادات التي حالت بين الأسر وبين المسرح ،فاقتحم صوت “الغضبان” وأدائها التمثيلي على العرب في منطقة الخليج بيوتهم حتى صارت فقرتهم المحببة هي الاستماع لصوت “حبابة ” وهي تروي قصصها المستوحاة من وحي ألف ليلة وليلة بما لها من جو أسطوري وتشويق يجذب الصغار و الكبار وحكم ومعان يستفيد منها الجميع .

نجاح الفنانة مريم الغضبان في شخصية “حبابة” إذاعياً دفعها إلى إعادة تقديم العمل في شكل مرئي كمسلسل تليفزيوني حمل نفس الاسم في منتصف السبعينات من انتاج  مسرح السلام بالتعاون مع إحدى شركة إنتاج.

و قد التصق هذا الدور المميز بالفنانة الراحلة حتى صار علامة عليها وصارت علامة عليه حتى أنها قالت عنه في أحد اللقاءات :” شخصية ‘‘حبابة‘‘ تمثل روح البيت الكويتيّ والخليجيّ عموماً، حيث الجميع يلتف حول الجدة لسماع “الحزاوي”، مضيفة بأنها لم تتوقع أن تشتهر بهذه الشخصية”.

مريم الغضبان في دورها الأشهر حبابة
مريم الغضبان في دورها الأشهر حبابة

رحلة مريم الغضبان مع التلفزيون الكويتي

شاركت الراحلة مريم الغضبان في العديد من الأعمال التلفزيونية وهي «أجلح وأملح»، «حاور زاور»، «ابن الحطاب»، «حبابة»، «شمعة تحترق»، «دنيا المهابيل»، «بدر الزمان»، «عائلة فوق تنور ساخن»، «إلى من يهمه الأمر»، «أبو دندن»، «على الدنيا السلام»، «أبو صالح يريد حلاً»، «إزعاج»، «عاد ولكن»، «ناس من زجاج»، «العائلة»، «سليمان الطيب»، «قاصد خير»، «بو متيح يوش متيح يطش»، «يوميات متقاعد».

ولعل واحداً من أبرز أعمالها التلفزيونية هو  «خالتي قماشة» ذلك المسلسل الكويتي الاجتماعي الكوميدي، الذي أحدث كثيراً من الصخب المجتمعي في دولة الكويت عند عرضه ، وقد كانت الأحداث تدور  في منزل الأم العجوز «قماشة» التي تسعى إلى الحفاظ على سلوك أبنائها، ولتبقى مسيطرة عليهم وعلى زوجاتهم، حيث تضع كاميرات تجسس في حجرات أبنائها المتزوجين لتبقى على اطلاع بما يودون القيام!!

مريم الغضبان في أحد أدوارها مع مريم الصالح
مريم الغضبان في أحد أدوارها مع مريم الصالح

حصاد مريم الغضبان المسرحي

رغم تعدد حقول العطاء الفني التي ساهمت فيها الراحلة “مريم الغضبان” إلا أن علاقتها بالمسرح تظل هي العلاقة الأقوى إذ يعتبر بيتها الأول ومجالها الأرحب وقد قدمت من خلال خشبة المسرح عدة مسرحيات تمثل علامات مميزة في تاريخ المسرح الخليجي منها : «سكانه مرته»، «جنون فنون»، «كازينو أم عنبر»، «حرامي آخر موديل»، «من سبق لبق»، «بخور أم جاسم».

وأيضاً مسرحيات «رجال وبنات»، «ثور عيدة»، «سهارى»، «إبراهيم الثالث»، «إمبراطور يبحث عن وظيفة»، «هالو دوللي»، «ضعنا بالطوشة»، «علي جناح التبريزي»، «للصبر حدود»، «عزل السوق» وكذلك المسرحية الشهيرة «باي باي لندن» التي عرضت في العام 1981 وهي من بطولة الفنان عبد الحسين عبد الرضا، الراحل الفنان غانم الصالح، محمد جابر، داوود حسين وانتصار الشراح.

كما قدمت العديد من المسرحيات الأخرى منها «بالمشمش»، «تنزيلات»، «يسوونها الكبار»، «الإنسان الآلي»، «العصابة»، «بنشر» التي عرضت في العام 1987 وهي من بطولة عبد الله الحبيل وعبد الناصر درويش، وأيضاً «صادوه» العام 1989 بطولة عبد الله الحبيل، الممثل المصري سعيد صالح، إبراهيم الحربي وجاسم الصالح. وأيضاً شاركت في «عاصفة الصحراء»، «لولاكي 2»، «عبيد في التجنيد»، «خمسة وخميسة».

كما ساهمت الفنانة الراحلة في تأسيس عدد كبير من الفرق المسرحية مثل: فرقة المسرح الشعبي والمسرح العربي وجمعية الفنانين الكويتية.

 

مريم الغضبان وأعمال للأطفال

مع تنوع أعمالها الفنية حرصت الفنانة “مريم الغضبان” على أن توجه جزءًا من نشاطها للأطفال فقدمت المسلسل التعليمي “افتح يا سمسم” المأخوذ عن المسلسل الأمريكي الشهير “عالم سمسم ” وقدمت فيه شخصية “الخالة فوزية”.

 

الجوائز و التكريم المستحق لفنانة الكويت مريم الغضبان

حصلت الفنانة الراحلة على عدد من الجوائز و التكريمات على دورها الرائد في تأسيس المسرح الكويتي وإسهاماتها المتعددة في المجالات الفنية المختلفة وذلك من مؤسسات محلية وإقليمية في عدة مناسبات منها : تكريم من «مهرجان المسرح ‏الخليجي الخامس» عام 1997 مع الفنانة مريم الصالح والفنان عبد العزيز النمش، وكذلك في «مهرجان المسرح الخليجي السابع» عام 2004،و تكريم من «مهرجان الإنتاج التلفزيوني ‏الخليجي السادس» بالبحرين عام 1999 بدرع رواد الفن كما حصلت على وسام من وزارة الاعلام بمناسبة مرور عشر سنوات على استمرار البرنامج الاذاعي «حبابة».

 

معاناة مريم الغضبان مع المرض و الرحيل

بدأت مأساة الفنانة “مريم الغضبان” المرضية في عام 1995 م حيث عانت من ألام مبرحة بالعين في اليوم الأخير من أيام عيد الأضحى المبارك استتبع سفرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء فحوصات وعمليات جراحية في العينين إلا أن الحالة الصحية ظلت متأرجحة لما بعد عودتها مرة أخرى إلى الكويت حيث حاولت تسجيل حلقات إذاعية جديدة لمسلسل “حبابة ” من منزلها حتى وافها الأجل في الثالث من شهر يونيو عام 2004 م تاركة خلفها تراثاً ضخماً من العمل الفني المتميز و المتنوع .

مثل رحيل الفنانة “مريم الغضبان” فاجعة لدى محبيها وزملائها وتلاميذ فنها من المحيط للخليج فجاءت كلمات الرثاء مملوءة بالعاطفة الصادقة و ألم الفقد ووجع الفراق فقال الفنان السعودي ناصر القصبي “مريم الغضبان من الرواد في الدراما الخليجية ولابد من تكريمها لكي تكون ذكراها خالدة في اذهان الجميع واعمالها الدرامية والمسرحية لابد ان تظل منهلا يستفيد منه كل الممثلين والممثلات خصوصا وانها تملك حضورا قويا في ساحة الدراما الخليجية والعربية “،بينما قالت الفنانة سعاد عبد الله ” كانت بمثابة الاخت التي نسعد بنصائحها ومرئياتها حول كل الاعمال التي نقوم بها ، وبصدق كان الصغير والكبير في المجتمع الخليجي يعشق كل ما تقدمه الراحلة مريم الغضبان” ،أما الأستاذ عبدالمحسن النمر  فيوجز مشاعر الكثيرين بقوله :” مريم الغضبان تاريخ عظيم ورائع ومن الاسماء التي تملك رصيدا ذهبيا فلديها اعمال ضخمة لا نزال نستمتع بمتابعتها انسانة قدمت كل ما هو جميل ورسمت البسمة على شفاه الجميع وهي من الممثلات اللاتي يحظين بقبول لدى مختلف الشرائح في المجتمع الخليجي وموتها بلا شك صدمة قوية لكل عشاقها وكل من رافقها وتعاون معها”.

ربما يكون الأجل قد قضى باختفاء “مريم الغضبان” عن عيون وأذان محبيها إلا أن ما تركته من تسجيلات إذاعية و حلقات تلفزيونية و مسرحيات رائعة سوف يبقى ذكرى في قلوب وأذهان محبيها من المحيط إلى الخليج و مدرسة فارقة في تاريخ الفن العربي .

أضف تعليق